تعرف عليها

دراسة بحثية تحذر: الفلسطينيون أمام سيناريوهات اقتصادية خطيرة

الاسواق الفلسطينية
الاسواق الفلسطينية

عانى الاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة والضفة المحتلة خلال السنوات الماضية من حالة انكماش بفعل تأثيرات جائحة كورونا حيث أشارت تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2020 إلى انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 13.7%، وفقدان نحو 14% من العاملين وظائفهم على نحو مؤقتٍ أو دائم، كما تزامنت الجائحة مع مرور السلطة الفلسطينية في أزمة مالية بسبب احتفاظ إسرائيل بإيرادات المقاصة المتأتية من ضرائب الجمارك وضريبة القيمة المضافة.

وكشفت مبادرة بحثية أعدها فريق شبكة السياسيات الفلسطينية "الشبكة" أن الاقتصاد الفلسطيني سيظل أكثر عرضة للتأثر بالصدمات السياسية والاقتصادية والمالية، نظرا لهشاشة القطاعات الإنتاجية الفلسطينية، مما يدفعالفلسطينيون إلى البحث عن فرص عمل داخلأراضينا المحتلة عام 1948 والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، حيث سيخضعون لسياسة التصاريح الإسرائيلية.

كما كشفت أن توسع قطاع التجارة أدى إلى نشوء طبقة جديدة من النخبة في الضفة ممن يستفيدون من الإدارة المدنية الإسرائيلية من خلال التصاريح الخاصة، ما أسهم في إغراق السوق الفلسطينية بالمنتجات الإسرائيلية التي يُباع الكثير منها بأسعار منخفضة نسبيًا، ولا سيما المنتجات الزراعية، مما يُلحق الضرر الكبير بالمنتجين الفلسطينيين المحليين، فضلًا على أن هيمنة نخبة التجار على قطاع التجارة عززت نفوذهم السياسي.

وأوضحت الدارسة أن اتفاق "أوسلو" عمل على مأسسة اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على النظام الإسرائيلي، من خلال الإدارة المدنية التي لم يعد دورها مقتصرًا على إصدار تصاريح للعمال والمرضى والبناء، وإنما أصبحت تضع الخطط والميزانيات التفصيلية، مشيرةً إلى أن هيمنة نخبة التجار الفلسطينيين الفاسدين على القطاع التجاري، زاد عمال الطبقة الوسطى فقرًا، ودفعهم للتوجه إلى العمل في السوق الإسرائيلية أو قطاع التجارة، ومؤكدة أنهم سيبقون كذلك طالما استمر الوضع الراهن.

وبينت الدراسة أن الانقسام السياسي والمؤسسي بين الضفة الغربية وغزة أدى إلى تقسيم الاقتصاد الفلسطيني إلى اقتصادين، علاقاتهما التجارية محدودة بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة ومحدودية الإيرادات المالية التي تجبيها السلطة الفلسطينية من غزة.

تسريح 140 ألف موظف

وتوقعت المبادرة من خلال عدة سيناريوهات مستقبلية طرحتها أن يؤدي انهيار السلطة الفلسطينية إلى تعميق انقسام الاقتصاد الفلسطيني بين الضفة الغربية وغزة، وتسريح قرابة 140 ألف موظف في القطاع العام، ما سيدفع نحو زيادة كبيرة في معدلات البطالة والفقر وتوجه هؤلاء العمال إلى البحث عن عمل في أراضي 1948 أو في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. 

كما سيكون لانهيار السلطة بحسب الدراسةتداعيات كارثية على حصول الفلسطينيين على المنافع الأساسية بما فيها إمدادات الماء والكهرباء.

وخشية من نشوب مقاومة شعبية، توقعت الدراسة من خلال هذا السيناريو أن تدفع "إسرائيل" نحو استدامة قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، كما سيواصل المانحون الدوليون على الأرجح تمويل المنظمات غير الحكومية والمؤسسات المحلية والبلديات، فيما ستعود الإدارة المدنية الإسرائيلية كمشرف مباشر على النشاط الاقتصادي الفلسطيني في الضفة.

وأشارت الدراسة البحثية إلى أن الطبقات الاجتماعية الجديدة التي ظهرت في السنوات الأخيرة، بما في فيها التجار والعاملين في المنظمات غير الحكومية، ستكتسب فرصًا في ظل غياب السلطة الفلسطينية، بما في ذلك من خلال السعي لتولي مناصب سياسية. 

توحيد النشاط الاقتصادي

وطرحت المبادرة البحثية سيناريو آخر يقوم على إحياء منظمة التحرير وما لها من قوة لإعادة توحيد النشاط الاقتصاد بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة من جانب والفلسطينيين القاطنين في أراضي 1948، منوهة أن ما شأن هذا التعاون أن يوسِّع القاعدة الإنتاجية للنشاط الاقتصادي الفلسطيني، كون فلسطيني الداخل يتمتعون بقدر أكبر من حرية الحركة.

كما توقعت المبادرة أن تهيمن على منظمة التحريرطبقة رأسمالية تفرض ضغطًا حقيقيًا على أي قيادة فلسطينية جديدة، وأن يتخذ المستثمرون الفلسطينيون في المنفى التواصل مع الفلسطينيين في الضفة، وسيلةً لتسهيل تطبيع العلاقات الاقتصادية وشرعنتها.

وأشارت "الشبكة" في دراستها إلى أن العلاقة بين منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية تعتمد علىنتيجة السيناريو الثاني والثالث، فإذا انهارت السلطة بسبب القيود الإسرائيلية والدولية، ستحتاج منظمة التحرير إلى استيعاب جميع ديون السلطة،وإذا أُعيدت هيكلة السلطة الفلسطينية وتحولت إلى سلطات محلية، فلن تنقل ديونها إلى منظمة التحرير.

اقتصاد المقاومة

وفي سيناريو آخر أشارت المبادرة البحثية إلى نموذج اقتصادي قائم على التكافل والمقاومة في حال اندلاع انتفاضة شعبية، وهو ما يمكن أن يساعد على عرقلة التطبيع، ويُمكن المؤسسات المشاركة في هذا النموذج من توجيه الدعم إلى الشعب الفلسطيني لتحقيق المزيد من القدرة على الصمود.

وقالت إن هذا النموذج كان سائدا عندما اندلعت الانتفاضة الأولى في 1987 ضمن نظامٍ اقتصادي قام على التكافل الاقتصادي المحلي الذي ساعد الفلسطينيين في مقاومة هيمنة الاقتصاد الإسرائيلي، حيث انتشرت اللجان الشعبية انتشارًا لا مركزيًا، وأمّنت التضامن الشعبي وقدمت الخدمات التربوية والتعليمية للطلاب أثناء إغلاق المدارس، ووفرت رؤيةً إنمائية بديلة. 

وأوضحت أن توقيع اتفاق أوسلو في 1993، والمعايير التي اعتمدتها السلطة الفلسطينية جعلت من عودة هذا النموذج الاقتصادي أمرًا مستبعدًا في حال نشوب انتفاضة جديدة.

وقالت: "إن تكرار تجربة الاقتصاد المقاوم كما في الانتفاضة الأولى بات أمرًا غير واقعي، حيث ستتخذ الانتفاضة الجديدة شكل هبَّات متقطعة،وفي هذا السياق، يمكن وضع بديل للاقتصاد المقاوم الموحد ينطوي على اقتصادات شعبية محلية متعددة تقاطع البضائع الإسرائيلية وتُشجع الإنتاج الجماعي".

وقدمت الدراسة البحثية عدة شروط لاستمرار هذه الاقتصادات الشعبية وضمان قدرتها على التطور، من بينها بناء الثقة من خلال الديمقراطيةوالاستقلالية والشفافية، ورأس المال الاجتماعي، والذي يتحقق عندما تتبنى مجموعة من الناس الاهتمامات والأهداف ذاتها، بالإضافة إلى القدرة والاستطاعة والاستعداد لمواجهة المعوقات والاعتداءات، وإيجاد هيكل يوحِّد جهود هذه الاقتصادات الشعبية، ويحولها إلى نضال وطنيلتحقيق الاقتصاد المقاوم.

وأكدت أن الاتحادات العمالية تعد إطارًا أوليًا محتملاً لهذا العمل الجماعي والمقاومة لأنها تمثل مجموعةً ذات شواغل مشتركة وتدافع عن حقوق العمال بالتوازي مع مقاومة الاحتلال، مشددة على أن مقاطعة المنتجات الإسرائيلية وجميع أشكال التعاون مع الإسرائيليين يعتبرا أساسا للاقتصاد المقاوم.

المصدر : متابعة -زوايا
atyaf logo