تحويل رواتب عمال الداخل عبر البنوك..

قرار إسرائيلي تتحمس له السلطة ويتخوف منه العمال

عمال يتوجهون للعمل في الداخل المحتل
عمال يتوجهون للعمل في الداخل المحتل

يوم 21 أغسطس/ آب الماضي، فجر عشرات آلاف العمال الفلسطينيين مفاجأة من العيار الثقيل باعتصام حاشد نظموه أمام الحواجز الإسرائيلية، معلنين رفضهم قرار تحويل رواتبهم عبر البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية، ما دفع الاحتلال الإسرائيلي إلى تأجيل تنفيذ القرار، والسلطة الفلسطينية إلى التراجع عن أي خصومات كانت مقررة من رواتبهم، حتى لو كانت دولارا واحدا كعمولة عن كل حوالة بنكية لصالح البنك، كان قد أعلن عنها مسبقاً وزير العمل نصري أبو جيش.

وبحسب دراسة بحثية أعدها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس"، فقد ارتفع عدد العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر من 78 ألفاً نهاية العام 2010، إلى 173.4 ألف في الربع الأول من العام 2022، إضافة إلى 31 ألفاً يعملون في المستوطنات.

ويتقاضى كل عامل من هؤلاء معدل أجر يومي لا يقل عن 350 شيقل، أي أن مجموع الأجر اليومي لجميع العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر بالحد الأدنى هو 71.4 مليون شيقل، والمجموع الشهري (71.4 مليون* 22 يوم عمل على اعتبار أن الجمعة والسبت إجازة) يتجاوز مليار ونصف المليار شيقل، وهي مبالغ كبيرة لا يفصح عن حقيقتها كاملة المشغل الإسرائيلي أمام سلطة الضرائب الإسرائيلية، وتفتح شهية وزارة المالية الفلسطينية، على اعتبار أن الاحتلال يحول إليها ما تقتطعه من ضريبة دخل هؤلاء العمال شهرياً عبر المقاصة.

يقول أحد العمال المنظمين لاعتصام "الكرامة" أمام المعابر الإسرائيلية إن سبب رفضهم لنظام تحويل الرواتب عبر البنوك أن نسبة 70% من العمال يملكون تصاريح تصدر من خلال السماسرة، وفي حال تحويل الراتب عبر البنوك بشكل شهري ومنتظم، سوف يتم إيقاف التصاريح التي تصدر عبر السماسرة.

وأوضح العامل، الذي رفض الإفصاح عن اسمه في حوار مع موقع "زوايا"، أن السبب الثاني الذي يدفعهم للرفض هو أن نسبة عالية من العمال يعملون بنظام المياومة بأجر يومي أو أسبوعي، وبالتالي حياتهم مبرمجة على الصرف اليومي والشهري، ولا يستطيع العامل انتظار توفير المبلغ الكامل المكتوب في قسيمة الراتب حتى نهاية الشهر، كي يتم تحويله كأجر كامل منتظم له عبر البنك.

والسبب الثالث والأخير لتخوف العمال من هذا الإجراء هو الخشية من إضافة ضرائب أخرى عليهم تثقل كاهلهم، أو أن يتم الاقتطاع من رواتبهم من قبل البنوك.

لكن عبد الكريم مرداوي مدير عام تنظيم العمل الخارجي في وزارة العمل الفلسطينية أكد لموقع "زوايا" أنه لن يتم الخصم من الرواتب المحولة للعمال، مشيرا إلى أن القرار الحكومي الرسمي بأن يحول الراتب بدون أي اقتطاع ولا أي رسوم ولا ضرائب، وقد أصدرت سلطة النقد تعميماً للبنوك أنه اعتباراً من شهر سبتمبر/ أيلول الماضي أي راتب يحول للبنوك لن يخصم عليه أي شيقل رسوم حوالة.

وأوضح مرداوي أن قضية تحويل رواتب العمال الفلسطينيين إلى البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية هو قرار إسرائيلي خالص صدر في عام 2016، وإنفاذ هذا القرار سوف يتم من قبل الجانب الإسرائيلي.

وأضاف أنه جرى تجربة العملية وتحويل رواتب نحو 7 آلاف عامل فلسطيني عبر البنوك الفلسطينية، ولم يكن هناك أي اعتراض من قبل العمال، وحتى أن هناك شركات إسرائيلية كبرى تقوم بتحويل الرواتب للعمال عبر البنوك منذ سنوات.

اقرأ أيضاً: عودة حماس لسوريا..تناقض المواقف والثمن الكارثي

وما يجري الآن، بحسب مرداوي، أن التحويل عبر البنوك سوف يكون إجبارياً من قبل المشغل الإسرائيلي وموافقة العامل الفلسطيني، وسوف يتم البدء بذلك اعتباراً من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، بحيث تتم عملية تحويل إجبارية لرواتب العمال عبر البنوك، ولن يبقى هناك أي عامل إلا ويحول راتبه عبر البنك.

ودافع مرداوي عن هذا الإجراء بالرغم من أنه قرار إسرائيلي، مبررا أن فيه إيجابية من حيث زيادة مدخرات العمال الفلسطينيين الشهرية، ومحاربة ظاهرة سماسرة التصاريح، ولأن بعض العمال في السابق كانوا يأخذون الراتب عن طريق الشيكات، ويذهبون إلى صراف كي يصرف لهم الشيك ويدفعون للصراف عمولة مقابل ذلك.

وأردف مرداوي أن الأمور تسير جيدا ولا يوجد أي معيقات، ومن يتأثر من هذه العملية فقط من يقوموا بشراء التصاريح عن طريق السماسرة، لأن السمسار ليس شركة قانونية تقوم بتحويل الرواتب عبر البنوك، وبالتالي هذه الفئة سوف تتأثر من موضوع عملية الالتزام بتحويل الرواتب عبر البنوك.

ولدى سؤال مرداوي حول إصرار الاحتلال الإسرائيلي على فرض هذا الإجراء، طالما أن هناك معارضة من قبل شركات ومشغلين إسرائيليين، رد بالقول "لأن هذه العملية سوف تزيد من جباية الضرائب لدولة الاحتلال، لأن هناك مشغلين للعمال وشركات تقوم بالتهرب الضريبي، وبالتالي هذه العملية سوف تحارب التهرب الضريبي، وسوف يتحسن جباية ضريبة الدخل لدى الاحتلال".

وأضاف، أنه في سبيل ذلك قاموا بسن قانون جديد هذا العام بتحديد مبلغ الكاش الذي يتداوله التاجر وصاحب العمل الإسرائيلي وهو 6 آلاف شيقل، وذلك لإلزام الكل بعملية التحويل الإلكتروني من أجل ضبط عملية التهرب الضريبي.

وعلى الصعيد الفلسطيني، فأوضح مرداوي أن ذلك "سوف يساعد في عملية التخلص من فائض الشيقل وتكدسه في الأسواق، لأن هذه الأموال تدخل عن طريق العمال الفلسطينيين كاش، وبالتالي التحويل الإلكتروني سوف يخفف من موضوع تكدس الشيقل".

محمد البدري، رئيس الدائرة القانونية في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، قال إن الاتحاد مع عملية تحويل الرواتب عبر البنوك الفلسطينية، لأن هذه العملية سوف تحفظ حقوقهم من المشغلين الإسرائيليين.

وأضاف البدري في حوار مع "زوايا" أنه كان لديهم تخوفات في البداية نتيجة ما حدث في الشارع (يقصد الاعتصام الكبير) من أنه سيكون هناك خصميات من الرواتب وخصم لضريبة الدخل، وهذه التخوفات طرحها العمال.

وأضاف، أنهم أبلغوا من رئيس سلطة النقد أنه لا يوجد خصم لرسوم من قبل البنوك على عملية تحويل رواتب العمال على البنوك، وكذلك أبلغوا من جهات رسمية في الحكومة أنه لن يكون هناك ضريبة دخل على رواتب العمال، لأن الجانب الإسرائيلي يقتطعها من راتب العامل في الداخل ويحولها للسلطة عبر المقاصة.

اقرأ أيضاً: كحيل: الفوضى والعشوائية تعرض العمال لعمليات النصب والابتزاز

وحول سير العملية، أفاد البدري أن سلطة النقد سبق وأن أعلنت أن نحو 90 ألف عامل قاموا بفتح حسابات بنكية والعدد يصل الآن إلى أكثر من 100 ألف عامل فلسطيني فتحوا حسابات في البنوك، وهم بدورهم في الاتحاد سوف يراقبون ما يجري مع العمال الذين جرى تحويل رواتبهم عبر البنوك، وإن كان هناك أي مشكلة أو ملاحظات، لأن الراتب يجب أن يصل كاملاً كما هو.

وحول فائدة العملية على العامل، قال البدري: "المشغل الإسرائيلي لم يكن يفصح عن الراتب الحقيقي للعامل الفلسطيني، حيث كان يعطي العامل راتب، ويسجل على قسيمة الراتب مبلغا أقل من أجل التهرب من دفع الضريبة، ولكن الآن بناء على الإفصاح عن الراتب الكامل، سوف يتضح للعامل ما يخصم منه من خصميات التأمين الوطني الإسرائيلي والتأمين الصحي وغيرها من الأمور التي يستفيد منها العامل، كذلك سيؤدي ذلك إلى دفع كامل مستحقات نهاية الخدمة للعامل بناء على الراتب الحقيقي وليس ما كان يسجل من راتب أقل".

الدكتور رباح مرار مدير الأبحاث في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني "ماس"، يرى أن الاحتلال الإسرائيلي لجأ إلى هذا القرار لتنظيم قضية إصدار التصاريح، وتحديد من يدخل إليه، ومحاربة الدخول للعمل بدون تصريح، وليس لمصلحة اقتصادية، وإنما يرتبط بالتسهيلات التي تقدم للفلسطينيين لأخذ أكبر قدر من العمال المستهدفين، وتم الان استهداف قطاعات جديدة لها علاقة بسوق عمل الهايتك والتكنولوجيا والزراعة.

والسبب الثاني وفق ما أوضح مرار لموقع "زوايا" أنه يوجد لدينا في فلسطين فائض شيقل، بسبب رواتب عمال الداخل، ومشتريات سكان الأراضي المحتلة عام 1948 والقدس وتسوقهم في مدن الضفة، والتي سببت فائض الشيقل في فلسطين.

وأوضح أن العملية الاقتصادية تقوم على أن الاحتلال الإسرائيلي يقدم للفلسطينيين مبلغا معينا من الشيقل، ويجب أن يرجع نفس المبلغ، ولكن ما يجري أن هناك فائض شيقل في فلسطين، بسبب رواتب عمال الداخل وتسوق فلسطينيين الداخل والقدس في الضفة، لذا يرفض الاحتلال أخذ الفائض.

ومن هنا يريد الاحتلال الإسرائيلي تحويل الرواتب عبر البنوك لحل أزمة فائض الشيقل، وحتى يعرفوا بعدها أن الشيقل الفائض هل هو غسيل أموال لفلسطينيين من الداخل في أراضي السلطة أم هو تهرب ضريببي، أم فقط رواتب عمال.

أما فيما يتعلق بضريبة الدخل، بين أن من تتحول رواتبهم على البنوك كلهم دخلهم معروف ويخصم منهم ضريبة الدخل وتحول للفلسطينيين.

وحول مصلحة السلطة من هذه العملية، بين مرار أنها تكمن في حل مشكلة فائض الشيقل، والثاني في قضية تحقيق الشمول المالي من حيث استهداف العمال بالقروض من البنوك الفلسطينية وضخ أكثر حركة في البلد من حيث القروض والتسهيلات.

وأردف أن العمال لديهم خشية من قضية الضرائب، حيث أن شريحة ضريبة الدخل لدى الاحتلال الإسرائيلي تختلف عن فلسطين، فمثلاً دولة عندما تخصم ضريبة الدخل من العامل تخصم على أساس شريحة الدخل لديها وبحسب راتب العامل لديها، على سبيل المثال 5%، ولكن في السلطة قد تكون على شريحة أكبر نظراً لفرق الأجور، ويتعامل الراتب على أساس شريحة 10% على سبيل المثال، وفي قادم الأيام قد تقوم السلطة بخصم فرقية ضريبة الدخل.

المصدر : خاص-زوايا
atyaf logo