لا تزال فلسطين خارج مؤشر مدركات الفساد العالمي الذي تنشره منظمة الشفافية الدولية سنويا، ويصنف أكثر من 180 دولة وإقليماً حول العالم بناءً على تصورات الفساد في القطاع العام.
ويستخدم المؤشر بيانات من 13 مصدراً خارجياً، بما في ذلك البنك الدولي، والمنتدى الاقتصادي العالمي، وشركات المخاطر والاستشارات الخاصة، ومراكز الأبحاث وغيرها.
وتعكس النتائج آراء الخبراء ورجال الأعمال، وتتم مراجعة عملية حساب مؤشر مدركات الفساد بانتظام للتأكد من أنها قوية ومتماسكة قدر الإمكان، وفق تقرير منظمة الشفافية الدولية للعام 2021.
غياب التقارير الدورية
تلك البيانات التي يستخدمها المؤشر لم تكن متوفرة في الحالة الفلسطينية، لذلك كانت سببا رئيسيا في غياب فلسطين عنه للعام الـ14 على التوالي، وفق الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان".
وأوضح د. عزمي الشعيبي، مستشار مجلس إدارة ائتلاف "أمان" لشؤون مكافحة الفساد في حديثه لـ"زوايا"، أن أحد شروط إدراج فلسطين أو أي دولة في مؤشر مدركات الفساد العالمي، هو توافر ثلاثة تقارير دورية على الأقل لمؤسسات دولية اعتمدتها منظمة الشفافية الدولية، تتحدث عن واقع الفساد.
ووفق الشعيبي، فقد تم إجراء عدة دراسات وتقارير لمؤسسات دولية في فلسطين فيما يتعلق بالفساد، إلا أنها لم تحقق شرط الدورية والاستمرارية حتى يتم إدراج البلد ضمن مؤشر مدركات الفساد العالمي، والذي من خلاله يتم مقارنة مدركات الفساد بين عام والأعوام التي سبقته.
ورأى أن الاهتمام الدولي تجاه فلسطين منصب على الحالة السياسية والصراع الدائر هنا، لكن في الحقيقة لا يوجد اهتمام بإعداد دراسات دورية كل عام فيما يتعلق بالحياة المدنية، بما تشمله من جانب الفساد.
أثار التقسيمات السياسية
ولعل تعقيدات الحالة الفلسطينية من تقسيمات سياسية وجغرافية (ضفة غربية تحت حكم السلطة الفلسطينية، قطاع غزة تحت حكم حركة حماس، القدس تحت حكم سلطات الاحتلال)، كانت سببا آخر في عدم قدرة المؤسسات الدولية على إعداد دراستها وتقاريرها بهذا الخصوص.
وفي تعليقه على ذلك، أضاف الشعيبي أن أشكال الفساد في فلسطين تتداخل مع بعضها بسبب التقسيمات السياسية والجغرافية، ما أدى إلى صعوبة تصنيفها فسادا فلسطينيا أم إسرائيليا، فمثلا كل فساد الحكومة العسكرية الإسرائيلية في الضفة والتي تتضمن أحيانا اضطرار الفلسطينيين لدفع رشوات للضباط من أجل الحصول على تصاريح أو رخص بناء أو غيرها، هل تُصنف فسادا فلسطينيا أم إسرائيليا؟
ونفس الحال ينطبق على أهالي القدس الذين يتعرضون لتضييقات كبيرة من قبل سلطات الاحتلال فيما يتعلق برخص البناء، مما يضطرهم لدفع "رشوة" للحصول على رخصة من بلدية الاحتلال، فنحن الفلسطينيون لا نعتبرها رشوة وإنما ابتزازا إسرائيليا، لأنهم يمنعونا من حقنا في البناء، بينما الرشوة هو دفع المال مقابل الحصول على خدمة ليست من حقك.
اقرأ أيضاً: هكذا يهدد قانون "المواطنة" الإسرائيلي عائلات فلسطينيي الداخل المحتل
ويوضح الشعيبي أن مثل هذه الإشكاليات حدثت مع اللجنة التي تعد تقرير مدركات الفساد، والتي كان ائتلاف "أمان" ممثلا لفلسطين داخلها، وتم إقناعها أن وضع فلسطين خاص، وأن جزءاً من الفساد مصدره الاحتلال.
مقابل ذلك، تنشر منظمة الشفافية الدولية تقرير ائتلاف "أمان" الذي يصدر سنويا عن فلسطين، باعتباره التقرير المعتمد لديها، وتتعامل معه باعتباره يظهر واقع الفساد في فلسطين، وباعتبار "أمان" المؤسسة التي تمثل الفرع الفلسطيني لدى منظمة الشفافية الدولية.
الفساد في قمة منظومة الحكم
وحول واقع الفساد في فلسطين، أوضح الشعيبي "بشكل عام الفساد في فلسطين يراوح مكانه لكن أشكاله تتغير، صحيح لا يوجد لدينا رشوة صغير مثل كثير من الدول، كرشوة الشرطي أو الموظف، لكن لدينا مشكلة الواسطة والمحسوبية التي أصبحت شائعة وجزء من ثقافة المجتمع، مع العلم أن القانون يجرمها، لكن يوجد تقديم شكاوى رسمية بها والدولة تغض الطرف عنها".
وأضاف: "الأهم من ذلك هو الفساد في قمة هرم الحكم وفي منظومته، الناتج عن إساءة استخدام السلطة من قبل الطبقة السياسية، إلى جانب الفساد السياسي بسبب تغييب الانتخابات وغياب حق الحصول على المعلومات بقرار سياسي، والتدخل في القضاء بقرار سياسي، إلى جانب التعيينات والترقيات للسيطرة على مراكز الدولة، أي أن مجموعة من النخبة محيطة بالرئيس تحاول السيطرة على كل المراكز العامة في مراكز الدولة سواء التشريع أو القضاء أو ادارة أموال وموارد الدولة".
سعي للعودة إلى المؤشر
أما مستشارة رئيس هيئة مكافحة الفساد رشا عمارنة، فأكدت لـ "زوايا" أن السلطة الفلسطينية مهتمة جدا في الدخول إلى مؤشر مدركات الفساد العالمي، وتسعى منذ نحو ثلاث سنوات للوصول إلى الأسباب التي أدت لخروج فلسطين من المؤشر وإمكانية معالجتها.
وقالت إن هيئة مكافحة الفساد، اجتمعت مع عدد من المؤسسات الفاعلة في البلد مثل الإحصاء وائتلاف "أمان" وتدارست معها كيفية إعادة فلسطين الى المؤشر، وإمكانية التواصل مع بعض الجهات الـ13 التي تعد التقارير الدولية، لتنفذ على الأقل ثلاثة تقارير بشكل دوري عن واقع الفساد والنزاهة في فلسطين، لإعادتها الى المؤشر العالمي.
وأكدت "هذه الرغبة موجودة لدينا، لكن للأسف لم نستطع حتى الآن تحقيقها".
وفي ردها على سؤال "زوايا" إن كان الوضع السياسي الفلسطيني المعقد يحول دون إدراج فلسطين للتقرير، قالت عمارنة: "لا نعلم إذا كانت السياسة هي عامل من العوامل التي منعت ظهور فلسطين في المؤشر".
لكن عمارنة وافقت على ما قاله الشعيبي بأن تعقيد جمع البيانات في الضفة وغزة والقدس، قد تكون السبب الذي دفع المؤسسات الدولية للإحجام عن إعداد دراستها وتقاريرها الدورية.
البيانات المالية لغزة غائبة
وخلال البحث في تقرير "أمان" السنوي، عن واقع النزاهة والفساد لدى الحكومة بقطاع غزة، أشار التقرير الأخير لعام 2020، إلى أن الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة، لم يستطع رصد أية بيانات مالية حول الموازنة التي تديرها السلطة القائمة في غزة، رغم مخاطبة المسؤولين حول ذلك.
وتسبب غياب البيانات بإعاقة عمل المختصين من الفريق الأهلي ومنظمات المجتمع المدني والباحثين في تحليلها وتقديم التوصيات بشأنها.
ووفق التقرير، لم تفصح حكومة غزة عن البيانات المتعلقة بالإيرادات التقديرية لعام 2020، كالإيرادات المحلية (الضريبة وغير الضريبة)، والنفقات التقديرية لعام 2020 كالرواتب والأجور، والنفقات التشغيلية والتحويلية والرأسمالية والتطويرية، إضافة إلى الإيرادات والنفقات المتحققة "الفعلية"، ومدى العجز في الموازنة، وقيمة المساعدات الخارجية، والتقارير المالية الشهرية أو النصف السنوية، وتقرير الحساب الختامي لعام 2018 و2019.
مؤشر مدركات الفساد عربيا
أما عربيا، فقد أوضح مؤشر مدركات الفساد العالمي للعام 2021، أن المعدل العام للدول العربية في المؤشر بلغ 34%، وسط انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان وتدهورٍ للديمقراطية، ويزداد في الدول التي تعاني من أزمات الديمقراطية.
كما أن الدول التي تعاني من غياب الحكم الرشيد تحوز على رصيد متدنٍ على مؤشر مدركات الفساد.
وخَلُص التقرير إلى صعوبة تجريم الفساد السياسي في العالم العربي، لغياب النصوص القانونية.
كما أن الدول العربية غير المستقرة سياسيا تسجل مستويات متدنية على المؤشر أيضا.