الوكالات الإخبارية الأجنبية.. تحيزٌ واضح لرواية الاحتلال.. الأسباب والعوامل

مقر وكالة واشنطن بوست
مقر وكالة واشنطن بوست

تُظهرُ دراساتٌ وأبحاثٌ عديدة في قضايا الصراع بين الشعب الفلسطيني ودولة الاحتلال الإسرائيلية تحيزًا واضحًا في عملية التغطية الإعلامية عبر المواقع والوكالات الأجنبية ولا سيما الأمريكية لصالح الاحتلالِ، على الرغم من أن الفلسطينيين يتعرضون لأبشع الجرائم بحقهم، تنفذها آلة الحرب الإسرائيلية.

وخلال هذا التقرير تستعرض "زوايا" سياسات المواقع والوكالات الأجنبية واتجاهاتها تجاه تغطية القضايا الفلسطينية وصراعها مع الاحتلال الإسرائيلي، ومبينة العوامل التي تدفع الوكالات للانحياز لرواية الاحتلال على حساب القضايا الفلسطينية وما هو دور الإعلام الفلسطيني تجاه هذا التحيز الواضح.

تحيزٌ واضح

وخلصت دراسة بعنوان الأطر الخبرية لقضية الاستيطان في المواقع الإلكترونية للصحف الأمريكية أعدها الباحث محمد الحمارنة في 2020، بأن الشخصيات الإسرائيلية تفوقت على الفلسطينية ويدلل ذلك على ضعف اهتمام الجهات المسؤولة في الجانب بقضية الاستيطان.

ورغم أن المتضرر الأساسي من قضية الاستيطان هم الفلسطينيون إلا أن نسبة الاهتمامات الفلسطينية في موقعي الدراسة كانت ضعيفة حيث حازت على 33.6% مقابل 66% للاهتمامات الإنسانية الإسرائيلية. "حسب الدراسة"

كما خلصت دراسة بعنوان الأطر الخبرية لانتفاضة القدس في المواقع الإلكترونية للصحيفة الأمريكية والتي أعدت في 2019، إلى أن موقعي صحيفتي "النيويورك تايمز والواشنطن بوست" الأمريكيتين، رأيا أن الفلسطينيين هم الجهة المسؤولة بالدرجة الأولى عن انتفاضة القدس وذلك بنسبة 83% ثم جاء الإسرائيليون وبفارق كبير بنسبة 12% رغم تصدر الاعتداءات لأطر الصراع وهذا يشير لتحيز موقعي الدراسة لصالح الرواية الإسرائيلية.

واعتمد الموقعان على الشخصيات الإسرائيلية بالدرجة الأولى في موضوعات انتفاضة القدس وذلك بنسبة 50.06% تلاها الفلسطينية بنسبة 39.2%.

كما اعتبرت الدراسة أن التحريض الإعلامي الفلسطيني هو المسبب الأول لانتفاضة القدس بنسبة 39.2%، وركز الموقعان على الاهتمامات الإنسانية الإسرائيلية والفلسطينية بنسبة 67.6% و32.4% تواليًا.

كما توصلت دراسة أعدها الباحثان "طلعت عيسى" وأيوب شلط" بعنوان " دور الأيديولوجيا في التحيز والتأطير الخبري لمسيرات العودة الفلسطينية في المواقع الأجنبية باللغة العربية إلى اعتماد موقع سي أن أن على نحو شبه كامل على المصادر الإسرائيلية وتبني رواية الاحتلال.

ميلٌ لرواية الاحتلالِ

وأكد أستاذ الإعلام نعيم المصري أن المواقع الإلكترونية الأجنبية غالبتها يخضع لوكالات الأنباء العالمية بالدرجةِ الأولى، مبينًا أن الوكالات العالمية تخضع لرواية ومصطلحات ومراسلين تتناسب مع سياساتها، تميل لرواية الاحتلال الإسرائيلية على حسابِ الرواية الفلسطينية.

ويتحكم بالدرجة الأساسية في المعلوماتِ المنشورة " الرقيب "حارس البوابة" للمواقع الأجنبية، وقد يكون القائمون على هذه المواقع يميلون كل الميل لمصادر الاحتلال، وقد يكون بعض الإسرائيليين أنفسهم صحفيين في الوكالات أنفسها، "حسب المصري".

وحول الصراع بين المصادر الفلسطينية والإسرائيلية على النشر في الوكالات الأجنبية، لفتَ "المصري" إلى أن الوكالات وحسب دراسات اعتماد الوكالات الأجنبية على المصادر أكثر من الفلسطينية.

ودعا "المصري" لتكثيف ضخ المحتوى الإعلامي الفلسطيني المؤيد للرواية الفلسطينية من خلال ناطقين للسلطة والفصائل والحقوقيين لدحض الرواية الإسرائيلية بلغاتٍ أجنبية عديدة من خلال استثمار أشخاص يملكون مهاراتٍ ومتحدثين بلغات تناسب الدول الأجنبية وعلى دراية واضحة باستملاتها والجوانب المختلفة.

وبشأنِ الإمكانيات والصعوبات التي تعتري إيصال صوت الإعلام الفلسطيني والقضايا الفلسطينية برواية فلسطينية للوكالات الإعلامية العالمية، طالبَ "المصري" باستغلال بإنشاء مركز إعلامي فلسطيني يضخ معلوماتٍ بلغاتٍ مختلفة وتشكيل "لوبي فلسطيني" على غرار "اللوبي الإسرائيلي".

وتحتاج المعلومات الفلسطينية لمجابهة المعلومات والرواية الإسرائيلية لجهود مكثفة وموحدة، وليس إعلامًا تقليديًا كما هو الحال عليه الآن والذي يهدر عليه الكثير من الأموال دون نتائج كبيرة، موضحًا أن الخطوة لا تحتاج إلى المال الكبير بقدر العزيمة والإرادة.

أجندةٌ وأطرٌ خاصة

وتتبني المواقع الأجنبية والوكالات العالمية أجندة وسياسية تحريرية ولها أطرها الخبرية الخاصة، وعلى ضوء تلك السياسية التحريرية تنشر المعلومات والأخبار المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وهذا ينطبق على وسائل الإعلامية كافة، حسب حديث مشير عامر الخبير في الخطاب السياسي ووسائل الاعلام والترجمة لـ "زوايا".

وتنشر الوكالات الأجنبية المعلومات حول القضية الفلسطينية بناءً على السياسية التحريرية وفي ضوئها، وأن هناك مواقع إخبارية رسمية تتبع حكومات ودول أجنبية ووكالات أخرى محسوبة على جهات ذات علاقة أخرى.

وفيما يتعلق بمعالجة المواقع الأجنبية لقضايا الشعب الفلسطيني، لفت "عامر" إلى أن السياسات التحريرية هي التي تحدد كيفية تعامل المواقع والوكالات الأجنبية مع قضايا الشعب الفلسطيني وممن خلالها يمكن فهم سلوك الإعلاميين بشكل عامٍ.

وبشأن اتجاهات المواقع والوكالات الأجنبية بين عامر أنه ليس من الممكن أن توضع المواقع في سلة واحدةٍ، فهناك وكالات محسوبة على اليسار وأخرى على اليمين وغيرها حكومية، وتختلف باختلاف السياسة التحريرية.

وعلى سبيل المثال فإن صحيفة "نيويورك تايم" الأمريكية تميل للرواية الأمريكية والإسرائيلية على حساب الرواية الفلسطينية، في المقابل تميل صحيفة "الجارديان البريطانية" المحسوبة على اليسار الوسطي للتعاطف مع القضايا الفلسطينية. "حسب عامر"

دور اللوبي الإسرائيلي

وعدّ العوامل المؤثرة في تعاطي الوكالات الأجنبية مع القضايا الفلسطينية، إلى عدة عوامل من أبرزها تأثير اللوبي الإسرائيلية ودوره الكبير في التأثير على معالجة الأحداث في فلسطين، إضافة إلى اتجاهات مالكي المواقع واتجاهاتهم تجاه القضية الفلسطينية ومدى ارتباطهم مع الحكومة الأمريكية والإسرائيلية، إضافة إلى القيم الثقافية للجهات الإعلامية القريبة من التصورات والتبريرات الإسرائيلية.

وتؤدي ماكينة الدعاية الإسرائيلية دورًا كبيرًا بإشراف المؤسسة الإسرائيلية الرسمية في التأثير، كما أن لضعف الإعلام الفلسطيني تأثير سلبي في عدم حضور المعلومات والرواية الفلسطينية عبر المواقع والوكالات الأجنبية العالمية.

وما زال الإعلام الأمريكية السائد يتبنى وجهات النظر الإسرائيلية عبر الوكالات والمواقع الإخبارية أكثر من القضية الفلسطينية ومنحاز للرواية الإسرائيلية على حساب الرواية الفلسطينية، على الرغم من الحضور التدريجي للرواية الفلسطينية.

تبني مظلومية اليهود

وتعتمد البيئة الثقافية الغربية على الإرهاصات الإسرائيلية، وتبني مظلومية الشعب اليهودي، معتمدين على قضية "الهولوكوست" في بعض الأحيانِ، وأصبحت امتدادًا لمظلومية الشعب اليهودي عبر إعلام الوكالات والمواقع الأجنبية عبر العالم "حسب حديث مدير مركز يبوس للدراسات والاستشارات البحثية سليمان بشارات"

واتفق "بشارات" مع ما ذهب إليه "عامر" أن المعلومات المنشورة حول القضية الفلسطينية وصراعها مع الاحتلال ضمن اهتمامات "اللوبي الإسرائيلي" لافتًا إلى أن هناك ارتباط وثيق بين ما ينشر عبر الوكالات والمواقع الأجنبية مع رؤي الدول الغربية على دعم المشروع اليهودي.

ويعتمد الاحتلال في تعزيز روايته على حساب الرواية الفلسطينية في المواقع والوكالات الأجنبية على المعلومات والأرقام والإحصائيات ضمن أساليب البرهنة والإقناع ويقدمها لجمهور تلك المواقع، على عكس الإعلام العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص والتي يعتمد على الأساليب العاطفية، والتي لا تقدم حقائق واضحة.

أسلوب استجلاب الخطر

ومما يعزز رواية الاحتلالِ عبر الوكالات الأجنبية على حساب القضايا الفلسطينية، بأن الاحتلال يظهر نفسه كضحية واستجلاب الخطر القادم أو المحتمل، عند الحديث عن أي حروب مثل الخطر الإيراني والخطر التي تمثله حركات الإسلامية السياسي ومعاداة السامية. "حسب بشارات".

وحمّل "بشارات" جزءًا من اتجاهات المواقع الأجنبية المنحازة للاحتلال وروايته على حساب قضايا الشعب الفلسطيني، لضعف الموقع السياسي الفلسطيني والعربي بعدم دعمه للقضية الفلسطيني، وتقديم خطابات جلها ارتجالية ومتناقضة وغير مدروسة لعدم أهلية الشخصيات المخاطبة للمجتمعات الغربية وتصدير الخطابات المحلية وكأنها عالمية.

ودعا لتدارك الأمر، متفقًا أيضًا مع "عامر" بضرورة توحيد الخطاب والبحث عن قنواتٍ وآليات تهتم بالخطاب باللغات المتعددة ولا سيما الإنجليزية، وتطوير المضمون وإيصاله للغرب بعيدًا عن المحتوى الحزبي الذي طغى على مفهوم الخطاب الوطني الشمولي.

وما زالت ماكينة الإعلام الإسرائيلية تعمل بقوةٍ وعلى نحوٍ منظم ومنهجي في الوكالات الأجنبية، مستخدمة كل الأساليب والأدوات المتاحة، والضغط عليها من أجل تبني الرواية الإسرائيلية وتعزيزها، في ظل إعلام فلسطيني يتسم غالبيته بالتقليدية. 

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo