تقرير ملف "لم الشمل".. آلاف ينتظرون انتهاء معاناتهم

جواز سفر فلسطيني
جواز سفر فلسطيني

كمن بُعث من جديد وأُعيد ليُولَد في وطنه بعد سنوات من الاحتجاز والعجز عن التنقل، بسبب كابوس عدم التعريف كمواطن وتشتت الشمل بلا هوية.

فالمعاناة قد حاصرت آلاف الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ممن حُرموا من التنقل والحركة، بسبب فقدانهم للرقم الوطني، فكم من أُمٍ تاقت لرؤية ابنها، وكم من عائلة تفرقت، وكم من مريض تألم بصمت دون قدرة على السفر لتلقي للعلاج، وقائمة الأوجاع تطول.

علماً بأنه ولمدة 12 عاماً توقفت سلطات الاحتلال عن إصدار تصاريح لم شمل للفلسطينيين، ليأتي قرار الاستئناف مشكلاً بارقة أمل جديدة للآلاف منهم، غير أنه بالمقابل كان انتكاسة لدى أضعاف من تبقى منهم بلا هوية. 

وكان رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية، حسين الشيخ، قد أعلن في 30 من آب/أغسطس 2021، في تغريدة عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، أنه تم الاتفاق مع الحكومة الإسرائيلية، على منح 5000 جمع شمل للعائلات الفلسطينية، دفعة أولى على طريق إنهاء هذا الملف بالكامل في إطار جدول متفق عليه.

وفي 19 من تشرين الأول/أكتوبر 2021، أعلنت الهيئة العامة للشؤون المدنية، عن 4000 اسم تم منحهم حق المواطنة، واستلام الهويات الفلسطينية، وكذلك تغيير عنوان السكن.

حقائق تاريخية

وحُرم آلاف الفلســطينيين مــن اســتصدار بطاقــة هويــة لهم، بســبب عــدم وجودهـم فـي الأراضي الفلسـطينية المحتلـة أثنـاء إجـراء سـلطات الاحتلال تعـداداً سـكانياً للفلسـطينيين فـي سـبتمبر/أيلول 1967، ثـم اسـتطاعوا الدخـول إمـا قبـل عـام 2000 من خلال تصاريـح الزيـارة الممنوحـة مـن سـلطات الاحتلال وبقـوا في الأراضي الفلسطينية، أو بعـد عـام 2000.

اقرأ أيضاً: انفوجرافيك كيف نشأت قصة لم الشمل؟

وخلال الفتــرة الواقعــة مــن عــام 1967 إلــى عــام 1994، قــام جيش الاحتلال الإسرائيلي بإلغــاء مــا يقــارب مــن 140 ألــف شــخص مــن التعــداد الســكاني وبالتالــي حرمانهــم مــن تملــك بطاقــة الهويــة.

 ووفق آخر الإحصائيات، فهناك 390 ألف فلسطيني لم يسجلوا في التعداد السكاني عام 1967، من قبل سلطات الاحتلال، 50 ألفاً منهم من قطاع غزة، بينما يوجد الآن نحو 22 ألف فلسطيني محرومون من الحصول على حق لم الشمل.

ومنذ عام 1967 حتى عام 1999 رفضت سلطات الاحتلال منح الإقامة لأكثر من 100 ألف فلسطيني وألغت إقامة 130 ألف فلسطيني مسجلين في الضفة الغربية لبقائهم لقترة تزيد عن ثلاث سنوات خارجها، فيما كان الاحتلال قد منح عام 1994 وفق اتفاقية أوسلو إقامات لفلسطينيين ممنوعين سابقاً، إضافة للم شمل نحو 60 ألف فلسطيني باستثناء القدس.

وفي عام 2000 أوقف الاحتلال إصدار بطاقات الهوية إبان انتفاضة الأقصى ورفض دخول الفلسطينيين غير المسجلين في الأراضي الفلسطينية، فيما أصدر في عام 2003 وتحديداً في 31 من تموز/يوليو لمدة عام قانون المواطنة الذي يمنع الموافقة على إصدار لم شمل العائلات الفلسطينية سواءً في غزة والضفة أو الداخل المحتل أو الخارج، وأصبح القانون يمدد بشكل سنوي، قبل أن يوافق على منح لم شمل لعدد من المواطنين عام 2009.

ملف تأخر كثيراً

الحقوقية في مركز الميزان لحقوق الإنسان، ميرفت النحال، تحدثت لـ "زوايا"، بأن موضوع "لم الشمل" من المواضيع المهمة التي يعملون على متابعتها ورصد الانتهاكات الخاصة بها، مشيرة إلى أنه لا يمكن العمل عليه من الناحية القانونية أمام القضاء الإسرائيلي كونه من ضمن الاتفاقيات التي وقعت بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي بخصوص لم الشمل وإعطاء الرقم الوطني للمواطنين من سكان غزة والضفة العائدين بموجب تصاريح زيارة.

وأضافت بأن هذا الملف ذا الأهمية البالغة تأخر كثيراً، مشيراً إلى حصول الشخص على رقم هوية وطنية يتبعه مجموعة من الحقوق الأخرى، ويمس بالتالي بمجموعة وحقوق أخرى منها الحق في حرية الحركة والتنقل والعلاج والتعليم.

وتابعت النحال: "من لا يمتلك رقما وطنيا يُحرم من مجموعة كبيرة من الحقوق ولا يستطيع التنقل بأي اتجاه لأي سبب كان".

وأردفت المحامية في مركز الميزان لحقوق الإنسان، بأن المؤسسات الحقوقية عاجزة ومنذ وقت طويل من التوجه إلى المستوى القانوني بسبب أن الملف يندرج ضمن التفاهمات والاتفاقيات بين السلطة والاحتلال، وفصلت المحكمة الإسرائيلية بأن هذا الموضوع غير قانوني وغير تابع للقانون الإسرائيلي.

وأكدت النحال بأن "مصادرة حق الشخص للحصول على رقم وطني وهوية، ومصادرة حقه في الحركة والتنقل، تعد انتهاكا جسيما لمبادئ ومعايير حقوق الإنسان، وبالتالي مخالفة للحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية لأنه يرتبط بحقوق أخرى".

وشددت على أن مسؤولية إصدار بطاقات وطنية هي "مسؤولية مشتركة تقع على عاهل السلطة الفلسطينية، ويجب أن تسرع من إنجاز الاتفاقيات والعمل على حل هذا الملف، حتى يتمكن الأشخاص من التمتع بحقهم وحصولهم على رقمهم الوطني".

فرحة منقوصة

دنيا الأمل إسماعيل كاتبة وأديبة فلسطينية من غزة حصلت على "لم الشمل" ضمن الدفعة الأخيرة التي تم الإعلان عنها في شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري، وذلك بعد حرمان دام 25 عاماً، واصفة شعورها بـ "الملتبس".

وقالت في حديث لـ "زوايا": من المفترض أن أكون فرحة وسعيدة، ولكني للأسف دفعت ثمناً كبيراً وغالٍ جداً بسبب الهوية، مشيرة إلى أنه "بخلاف عدم التنقل والسفر والسلاسة، لقد فقدت ثلاثة من أغلى الأشخاص وهم أبي وأمي وزوجي ولم أستطع توديعهم ورؤية الوداع الأخير بسبب الهوية".

وتابعت: "لذلك هذه الفرحة جاءت متأخرة جداً، وبالتالي الفرحة منقوصة بعد 25 عاماً من المحاولات، بانتظار أي انفراجة سياسية، وكان هذا الملف الشائك ضحية الانقسام والمفاوضات وانغلاق الأفق السياسي".

وأضافت إسماعيل: "من عام 1994 وأنا متواجدة في قطاع غزة، ولكن سفري انقطع عن العالم في عام 1998"، مشيرة إلى جزء من المعاناة التي مرت بها بالقول: "حرمت من المشاركة في الأمسيات الثقافية كوني كاتبة وشاعرة، ومن المشاركة في المؤتمرات والمعارض الدولية، ومن استلام جوائز حصلت عليها في فرنسا، ومن رؤية كتبي التي أصدرتها، وأهم شيء حرماني من زيارة أهلي وأبنائي في مصر".

وفي سؤال حول أول شيء فكرت به الشاعرة "إسماعيل" في حال حصولها على الهوية، قالت: إن "تم الإعلان عن اسمي ضمن الدفعة الأخيرة التي حصلت على (لم شمل)، لكني لم أحصل على الهوية بعد لأنها بحاجة إلى إجراءات، وفي حال حصولي على الهوية فإني سأقوم بزيارة عاجلة إلى مصر لرؤية بناتي".

ورفضت "إسماعيل" توجيه رسالة إلى أي جهة بعد حصولها على لم الشمل، مشيرة إلى أن الرسالة يجب أن تُوجه إلى نفسها وأبنائها فقط.

معاناة كبيرة

من ناحية متصلة، وليـد عبـد الغنـي جـودة، وهو أحـد المواطنين الذيــن عانوا كثيراً بعد وصوله لقطاع غزة عام 2000، نتيجة حرمانه من الحصول على "لم الشمل" بالرغم من دخوله وعائلته بشكل قانوني، لا يزال ينتظر دورَه ويترقب أي دفعات قادمة من أجل الهوية.

يقول "جودة" في حديث لـ "زوايا"، إن فقــدان الهويــة كان له أثــر كبيــر علــيه، خاصة فيما يتعلق بتحقيق طموحه، حيــث أدّى ذلك إلــى حرمانــه مــن إكمــال دراســته فــي الخــارج، رغــم أنــه حصــل علــى معــدل متفــوق فــي الثانويــة العامــة.

وأوضح أن والديه ذهبا للعمل إلى دولة الكويت، قبل أن تحتل "إسرائيل" قطاع غزة عام 1967، وأقاموا في الكويت ثـم العـراق قبل أن يعودا إلى القطاع عام 2000، وفي هذا العام وتحديداً بعد انتفاضة الأقصى، أعلن الاحتلال تجميد جميع الإجراءات المتعلقة بـ "لم الشمل"

وفيما يتعلق بالمعاناة التي واجهته شخصياً بسبب عدم حصوله على هوية، قال "جودة": "إنه بعد إنهائه الثانويــة العامــة، وحصوله على معدل 95.4%، الذي يؤهله لدراسة العديد من التخصصات في الخارج، وصلته عدة منح دراسية خارجية، ولكن للأسف لم يستطع الدراسة في الخارج، مما اضطره بدخول كلية الهندسة الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات بغزة".

وأضاف: "بسبب عدم امتلاكنا للهويــة وحرماننــا منهــا مــن قبل الاحتلال الإسرائيلي، لم نستطع التحرك خـارج الوطـن، سـواء كان ذلـك تعليـم أو عمـل أو علاج أو زيـارة فـي الخارج، مشيراً إلى أن "أخاً له يعيش في إيرلندا، ولم يلتقيا منذ 22 عاماً".

بدوره قال الصحفي تامر عليان، المحروم من الحصول على هوية منذ وصوله وعائلته للقطاع عام 1997، إن "الحرمان من فرص التعليم والعمل خارج القطاع هو أشد وأقسى من حرمانك أو أحد من أفراد عائلتك من فرصة علاج بمصر أو الجانب الإسرائيلي".

وأضاف في حديث لـ "زوايا": أنه أثناء المرحلة الثانوية العامة والجامعية كان يزور مركز الشرطة، وذلك للحصول على إثبات شخصية، تؤهله لدخول قاعات الامتحان؛ الأمر الذي كان ينعكس سلبا على نفسيته".

وتابع عليان: "منذ عام 1997 وحتى هذا الوقت، أنا وعائلتي نعاني ويلات الحرمان بسبب عدم الحصول على بطاقة شخصية، تفيد بأننا  مواطنون".

اقرأ أيضاً: موظفو غزة.. ظلم واضح وديون بمليارات الدولارات

وأضاف: "كنت أتمنى أن يكون وطني أحنّ عليّ من الغربة بالسعودية والبعد عن الأقارب والأحباب، منوها إلى أن "بطاقة التعريف" التي حصل عليها بعد تشكيل حركة "حماس" الحكومة، سهّلت عليه العديد من المعاملات الرسمية، دون أن تمكنه من حق السفر خارج القطاع.

وأعرب "عليان" عن أمله بأن يكون اسمه وعائلته من ضمن الدفعات الأخرى التي أعلنت الهيئة العامة للشؤون المدنية اقتراب حصولها على "لم الشمل".

موعد الدفعات الجديدة

وكان رئيس لجنة الشؤون المدنية في غزة، إياد نصر، قال في تصريحات صحفية: "إن الموافقة على طلبات لم الشمل، جاءت بعد جهد بُذل من قبل وزير الشؤون المدنية، حسين الشيخ .

وأضاف نصر: "قطاع غزة حصل على 159 موافقة، والخطوة المقبلة ستكون عبر إنجاز دفعة أكبر والتي ستكون لقطاع غزة النصيب الأكبر فيها.

وتواصلت "زوايا" مع مدير الإعلام في الهيئة العامة للشؤون المدنية، بغزة، موسى الهباش، وسألته عن موعد الإعلان عن دفعات جديدة لملف "لم الشمل".

وأجاب بالقول: "بالنسبة للدفعات المقبلة، حصلنا على موافقات سـتأتي على دفعات، حيث كان هناك دفعة أولى خاصة بقطاع غزة وعددها 159، وهناك مجموعة لا بأس بها في الضفة الغربية، وبأقرب وقت يمكن أن تصل الدفعات الجديدة الخاصة بالهوية، وأيضا تغيير العنوان".

وأكد بأنه حسب المعطيات فإن هذا الملف أصبح مفتوحا ونأمل بأن يبقى كذلك، حتى ننهي أزمة المواطنين الذين لا يحملون هوية، وما يترتب عليها من معاناة كبيرة".

وشدد الهباش على أنه تم رفع مطالب للجانب الإسرائيلي، بشأن منح شمل للفلسطينيين في الخارج، لكنه لم يبد موافقة، وبالتالي تم التركيز في هذه المرحلة على المواطنين داخل الوطن، وبعد الانتهاء من هذا الملف، يمكن أن يتم البدء بملف من هم خارج الوط".

وفيما يتعلق بدور الهيئة حول أسعار الهويات عقب نشر الدفعات الخاصة بلم الشمل، أكد مسؤول الإعلام في هيئة الشؤون المدنية بغزة، بأن الأخيرة ليس لها أي دور في هذا الموضوع، مشيراً إلى أن من يحصل على لم الشمل يستطيع أن يحصل على بطاقة هوية لأول مرة، مثله مثل أي مواطن آخر، حيث أن دور الهيئة ينتهي بمجرد الإعلان عن الأسماء، وبعد ذلك يأتي دور وزارة الداخلية.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo