تبييض التمور وتسويد الوجوه

النيابة العامة
النيابة العامة

تسريب المعلومات، هي واحدة من سمات عمل الهيئات الرسمية الفلسطينية عندما يتعلق الأمر بالقضايا الهامة والحساسة، وحجم المعلومات المسربة يفوق بكثير المعلومات والتصريحات الرسمية القاطعة، خاصة في ظل غياب أو تغييب قانون حق الحصول على المعلومات.

قضية تبييض التمور، وإحالة هيئة مكافحة الفساد لملف التحقيق في هذه الجريمة الى النيابة العامة، بكل ما لهذه القضية من أهمية بالغة على الصعيدين الوطني والاقتصادي، لم تنشر بشكل رسمي من قبل أي جهة، وهو ما فتح باب التكهنات، وباب تسابق الصحفيين ووسائل الاعلام على اقتناص معلومات وتصريحات لاستجلاء الصورة والوصول الى الحقيقة، ورغم ان بعض المشتبه بهم في هذه القضية من أفراد، بينهم وزير الاقتصاد السابق مازن سنقرط، ومن شركات عاملة في هذا المجال، قد اصدروا بيانات توضيحية عامة يدافعون فيها عن عملهم، ومشروعية نشاطهم الاقتصادي في هذا المنتج الهام، الا ان الجهات الرسمية ذات العلاقة، وخاصة هيئة مكافحة الفساد والنيابة العامة، بقيت صامتة، ولم تنشر ما يؤكد أو ينفي التسريبات والمعلومات التي يتداولها الصحفيون والمواطنون على نطاق واسع، حول تورط عدد من الشخصيات والشركات في هذا الملف.

اقرأ أيضاً: هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية: عرضنا شخصيات بمناصب عليا على القضاء

القضية ليست جديدة، فالكل يعرف منذ سنوات بأن هناك جريمة مستمرة منذ سنوات في هذا القطاع الانتاجي الهام، وأن هذه الجريمة عدا أبعادها الاقتصادية المدمرة، فانها تشرعن اغتصاب المستوطنين للارض الفلسطينية، فحجم الانتاج الفلسطيني من التمور والبالغ وفقاً لوزارة الزراعة الفلسطينية نحو 12 الف طن، من 300 الف شجرة كما في عام 2021، لا يتناسب من حجم ما يتم تسويقه من تمور تقدم على أنها فلسطينية المنشأ، سواء في السوق المحلي، أو تلك التي يتم تصديرها للخارج، وما يثير الانتباه أيضاً، ان عدد من الشركات العاملة في هذا المجال تقع مقارها ومصانع التجفيف والتغليف التابعة لها، خارج مناطق السيطرة الفلسطينية، وبالقرب من مزارع تمور مغتصبة من مستوطنين، خاصة في منطقة الاغوار وصولاً الى بيسان، وهي المناطق المناسبة لزراعة التمور.

القانون الفلسطيني رقم 4 لسنة 2010 بشأن حظر ومكافحة منتجات المستوطنات، الذي ينص على رصد السلع والخدمات والتي تعتبر منتجات مستوطنات وضبطها ومقاطعتها ومكافحة وحظر تداولها، ويعتبر كافة هذه المنتجات سلعاً غير شرعية يحظر تداولها، ويمنع الدوائر الحكومية من تسجيل أي منتج او علامة تجارية لها علاقة بمنتجات المستوطنات، ينص أيضاً على معاقبة المخالفين لهذا القانون بالحبس لمدة تصل الى خمس سنوات، وغرامة مالية لا تقل عن عشرة الاف دينار. ووفق معطيات القضية والملف التحقيقي لنيابة مكافحة الفساد، فان هناك ما يكفي من الدلائل والمعطيات التي دفعت لاحالة الملف الى النيابة العامة، صاحبة الاختصاص بالتحقيق الرسمي، ومن ثم الاحالة الى القضاء اذا ما ارتأت كفاية الادلة، وهو ما يضع النيابة الان تحت المجهر وتحت عبئ ثقيل، بالنظر لمكانة ونفوذ الشخصايات والشركات المشبه بها.

والقضية هنا، عدا أبعادها الاقتصادية المباشرة، والوطنية، فانها تتعلق أيضاً بثقة المستهلك الفلسطيني بهذا المنتج الذي يلقى رواجاً واسعاً في مختلف المناسبات، وخاصة في شهر رمضان المبارك، وأبعد من ذلك، فانه يزعزع الثقة بالمنتجات الفلسطينية، أو ما يقدم على انه منتجات فلسطينية، في الاسواق الخارجية التي تم التصدير اليها، خاصة وأن العديد من الدول والجهات تعطي أفضلية وتسهيلات خاصة للمنتج الفلسطيني، وذلك ضمن توجهات دعم القضية والاقتصاد الوطني الفلسطيني، والتجارة العادلة، وغيرها من أشكال منح الأفضلية والتسهيلات الضرائبية.

وبهذا فأن المتورطين، في حال ثبوت الشبهات، لا يكون جرمهم بحدود تبييض منتجات المستوطنات، بل أيضاً في تسويد كل منتج فلسطيني، ووضعه في دائرة الشك، سواء في السوق المحلي، أو الأسواق الخارجية، وهو ما يوجب سرعة معالجة الموضوع من قبل النيابة، ومن ثم القضاء عند احالة الملف اليه، كي يكون المجرمون في هذه القضية عبرة لكل يسلك هذا الطريق، او طرق أخرى عديدة مشابهة، تصب كلها في خانة التعاون مع الاحتلال، وضرب المصالح الوطنية.

المصدر : خاص-زوايا

مواضيع ذات صلة

atyaf logo